قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب:41]. وقال سبحانه: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة:200]. وقال: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10].

 

تعدد الأمر الإلهي بالذكر يؤكد أن الذكر جزء من عقيدة المسلم وجزء من يومه وجزء من حياته وجزء من هويته. وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك من خلال برنامج يومي حرص عليه النبي ودعا الصحابة إليه لأهميته حتى يكون المسلم على صلة دائمة بربه.

ويبدأ برنامج النبي اليومي في الذكر مع استيقاظه فكان إذا استيقظ في الصباح ذكر ربه فقال: «الحمد لله الذي عافاني في جسدي وردّ عليّ روحي وأذن لي بذكره» (سنن الترمذي). ثم إذا قام من فراشه قال: «أصبحنا وأصبح الملك لله» (صحيح مسلم). وكان إذا دخل الخلاء قال:

«اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» (صحيح البخاري). والخبث بضم الخاء جمع الخبيث: وهو من شياطين الجن والخبائث جمع الخبيثة: وهي من شياطين الجن فيستعيذ من ذكرانهم وإناثهم عند دخول هذا المحل الذي تتواري فيه الفضلات وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك» (سنن أبي داود).. وهي كلمة بليغة خفيفة على اللسان عظيمة في الميزان لها أكبر الأثر في ذكر الله على كل حين وينبغي على المسلم أن يداوم عليها فإن كثيراً من الناس على الرغم من خفة هذا العمل لا يداوم عليه ولا يذكر الله في كل وقت وحين.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال: «بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله» (سنن أبي داود). وكان صلى الله عليه وسلم إذا سافر في طريق فيه مرتفع وصعد هذا المرتفع كبر وقال: «الله أكبر الله أكبر الله أكبر». وإذا كان فيه منخفض نزل هذا المنخفض وسبح وقال: «سبحان الله سبحان الله سبحان الله» كما أخرج البخاري عن جابر بن عبد الله قال: كنا: إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: «اللهم افتح لنا أبواب رحمتك» (صحيح مسلم). ثم بعد ذلك يشتغل بالصلاة التي تبدأ بالذكر: «الله أكبر» ولا يحدث فيها إلا الذكر «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» (صحيح البخاري). ثم ينهيها بذكر الله بقوله: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». ثم يذكر الله بعدها كما ذكره قبلها فكان يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم يتم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير (صحيح مسلم).

وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من سيد الاستغفار بقوله: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» (صحيح البخاري). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المساء قال: «أمسينا وأمسي الملك لله» (صحيح مسلم) وهكذا في كل حركة ولهذا المنهج الرباني والمثال الفريد في الذكر والتأسي فيه بسيد الخلق قال العلماء: إذا فقد المسلم المربي المرشد فإن مرشده الأعظم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيكثر من الصلاة عليه ولا يقل ذلك عن ألف مرة في اليوم والليلة. وعن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: «يا أيها الناس اذكروا اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة. جاء الموت بما فيه. جاء الموت بما فيه» قال أبي قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت» قال قلت: الربع؟ قال: «ما شئت. فإن زدت فهو خير لك». قلت: النصف؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك». قال قلت : فالثلثين؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك» قلت اجعل لك صلاتي كلها. قال: «إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك» (سنن الترمذي).فالهجوا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليل نهار. واستغفروا الله على الأقل في اليوم مائة مرة. أسوة بالحبيب المصطفي الذي لم يفتر عن الاستغفار. وإنما استغفر ربه من غين الأنوار التي أغلقت باب الخلق. وإن كان باب الحق عنده مفتوحاً دائماً. استغفروا ربكم وتوبوا إليه. واذكروه في كل وقت وحين. فالذكر منهج المسلم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو خير الذاكرين.